
عمّان الجديدة
مقدمة وملخص
سُميت بعين غزال وربة عمون قبل الميلاد، وبفيلادلفيا مع مطلع القرن الأول، وكانت مأهولة وحصناً مهماً في الفترة الإسلامية الأموية، ومن ثم غطت بنوم عميق لقرون، إيقظها منه الشراكسة الذين سكونها في نهاية القرن التاسع عشر، إنها عمّان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية.
إن العيش بمدينة مرتبطة بأحبال الماضي فرصة لتنفس عبق التاريخ من خلال معاينة الشواهد الدالة على تلك الحقب الهامة في مسيرة البشرية، فمدرجها الروماني الواقع في مركزها، قد بني بالفترة (138-161) بعد الميلاد، وشكل تحدي للقائمين على إدارة المدينة والساكنين فيها للموازنة ما بين الماضي والحاضر، ما بين نقل حضري إعتمد بالماضي على المشي وعلى العربات المجرورة بالخيول بسرعة (5) كيلومتر بالساعة وسيارات بالحاضر تسير بعشرات أضعاف تلك السرعة.
السرعة والكثافة المرورية مختلفة، ولكن الفضاء المتاح للحركة لم يختلف كثيراً لأن المدينة كانت وما زالت محكومة بطوبوغرافية جبلية هي ذاتها، حيث شكلت الأودية مسارات الحركة، فحسب سيجال Segal 1981 فإن كل من شارعي الأعمدة (الدوكامينوس والكوردو) بنيت بتناغم تام مع الأودية، وحتى أنها قد شذت عن القاعدة المتبعة ببنائها بتوجيه شرق- غرب، وذلك تماشياً مع إتجاه الأودية المتاحة. وقد شيد المدرج الكبير والأوديم الصغير والفورم أو الأوجورا وسبيل الحوريات أو النيوفيوم على جانبي الوادي الذي كان يمر فيه سيل عمّان، والذي لولاه لما تم إختيار هذا المكان لبناء الحجر وإستيطان البشر.
هذا السيل الذي كتب عنه عبد الرحمن منيف في سيرة مدينة ” فإذا كانت المياه هي أصل الحياة، وعلى ضفاف الأنهار والبحيرات قامت المدن، فإن مدينة (الحب الأخوي) كما سميت عمّان قديماً، أو فيلادلفيا كما شاع إسمها، لم تخرج عن هذه القاعدة. أكثر من ذلك، أطلق عليها إسم مدينة المياه حين أنشئت في العصور السحيقة، وكانت المياه أيضاً أحد أهم الأسباب لإعادة تأسيسها في العصر الحديث” [1].
ولطالما كانت عمّان عطية مائها لقرون، فلماذا ضاق جيل الستينات ذرعاً بسيلها وأخفوه بسراديب تحتى لتصريف مياهه بعيداً عنها، فهل أصابوا أم أخطئوا بفعلتهم هذه بالعام 1964 وما تلاه، وهذا ما ستناقشه هذه الورقة البحثية.